السيارات الكهربائية ما لها وما عليها

منذ سنتين

د. منصور أبو شريعة العبادي

 

بعد اختراع الآلة أو المحرك البخاري (steam engine) في عام ١٧٥٤م تم استخدامه في كثير من المصانع كبديل عن القوة البشرية والحيوانية مما احدث ما يسمى بالثورة الصناعية. وبعد محاولات مضنية لاستخدامه في وسائل النقل المختلفة نجح في قطاع القطارات والسفن ولكن نجاحه  كان محدودا في سيارات الركاب والنقل لكبر حجمه ووزنه وإزعاجه وحاجته لحمل كميات كبيرة من الفحم كوقود لهذا المحرك.

ومع اختراع المحرك الكهربائي (electric motor) في عام ١٨٣٧م وكذلك بطارية الرصاص والحامض  (lead-acid battery) القابلة للشحن في عام ١٨٥٩م تحولت جهود المهندسين الى صناعة  السيارات الكهربائية بدلا من السيارات البخارية. وقد تم تصنيع اول سيارة كهربائية عملية في عام ١٨٩٠م في كل من الولايات المتحدة الامريكية والمانيا. ورغم العيب الكبير في السيارات الكهربائية وهو قصر المسافة التي تقطعها في الشحنة الواحدة الا انه تم تصنيع عشرات الالاف منها في امريكا واوروبا على مدى عشرين عاما. وبعد اختراع محرك الاحتراق الداخلي (internal combustion engine) في عام ١٨٧٦م وتزايد انتاج مشتقات البترول المختلفة اتجهت انظار المهندسين لاستخدامه في السيارات بدلا من المحرك الكهربائي. وفي عام ١٨٩٠م  تم تصنيع نماذج تجريبة لعدة سيارات تعمل بمحرك الاحتراق الداخلي في كل من اوروبا وامريكا. ومع بداية القرن العشرين بدأ بانتاج سيارات ميكانيكية  عملية يمكنها قطع مسافات طويلة مما ادى الى انحسار سوق السيارات الكهربائية والتوقف عن تصنيعها الا لأغراض خاصة في المطارات والمصانع والمناجم وغيرها.

تتميز السيارات الكهربائية ببساطة نظام الدفع (propulsion system)  فيها مقارنة بالسيارات الميكانيكية البالغة التعقيد فهي مكونة من البطارية والمحرك الكهربائي والنظام الالكتروني الذي يتحكم بتغذية المحرك بالكهرباء وكذلك شحن البطارية. فالمحرك الكهربائي يتميز على المحرك الميكانيكي بعشرات الميزات فحجمه ووزنه اقل بسبعة مرات عن تلك التي للميكانيكي لنفس القوة. إن الجزء الوحيد المتحرك في المحرك الكهربائي هو الدوار (rotor) بينما يوجد عشرات الاجزاء المتحركة في المحرك الميكانيكي القابلة للتآكل والخراب كالبستونات والصمامات والمضخات والتروس ولذا يحتاج الى استخدام الزيوت لتقليل الاحتكاك. ويحتاج المحرك الميكانيكي العامل بالبنزين إلى نظام إشعال (ignition system) لخليط البنزين والهواء وعدة مضخات ومرشحات  للوقود والماء والزيت والهواء.  ويتميز المحرك الكهربائي بسهولة التحكم بسرعة دورانه لمدى واسع يمتد من الصفر حتى ١٥ الف دورة في الدقيقة مما يلغي الحاجة لنظام التروس المعقد والثقيل الذي يحتاجه المحرك الميكانيكي بسبب تدني سرعة دورانها. ويتميز المحرك الكهربائي بأنه يعطي نفس العزم والقوة تقريبا عند مختلف السرعات بعكس المحرك الميكانيكي الذي يعطي عزما قليلا عند السرعات المنخفضة مما يتطلب  استخدام  التروس لرفع العزم عند تقويم السيارة. ويتميز المحرك الكهربائي بكفاءة التحويل العالية للطاقة التي تزيد عن ٩٠ بالمائة مقارنة بكفاءة ٣٠ بالمائة للمحرك الميكانيكي. وهذا يعني أن ١٠ بالمائة على الاكثر من الطاقة الداخلة للمحرك الكهربائي تتحول الى حرارة ولا يلزم بذاك وجود نظام تبريد له بينما يحتاج المحرك الميكانيكي للتبريد المتواصل بالماء والهواء باستخدام المشعات (radiators) والمراوح والمضخات والا احترق المحرك بمجرد توقف نظام التبريد عن العمل. ويتميز المحرك الكهربائي بسبب صغر حجمه ووزنه بإمكانية وضعه عند كل عجل من عجلات السيارة مما يعطي مزيدا من القوة للسيارات الكهربائية. ويتميز المحرك الكهربائي في السيارات الكهربائية بامكانية استخدامه كمولد كهرباء يقوم بتحويل الطاقة الحركية الى طاقة كهربائية  يتم تخزينها في البطارية عند دعس الكابح ( regenerative braking) مما يقلل من استهلاك السيارة للكهرباء. ويتميز المحرك الكهربائي كذلك بطول عمره وعدم حاجته للصيانه لما يزيد عن عشرين عاما وكذلك إمكانية تصنيعه بقدرات مختلفة تتراوح من تلك الموجودة في الساعات والالعاب الى تلك الموجودة في السفن بقدرات تصل الى عشرات الميجاواط.

اما المكون الثاني للسيارة الكهربائية فهو البطارية وهي التي تسببت في توقف تصنيع السيارات الكهربائية لمدة مائة عام. فالسيارات الكهربائية العملية تحتاج الى بطاريات قابلة للشحن وذات سعات تخزين عالية باقل وزن ممكن لكي تقطع اطول مسافة ممكنه قبل إعادة شحنها من مصدر للكهرباء وكذلك تحتاج الى قصر مدة الشحن وطول العمر. ان من اهم معايير بطاريات السيارات الكهربائية هو ما يسمى بكثافة الطاقة النوعية (specific energy density) والتي تقاس بالواط ساعة لكل كيلوغرام وهي نسبة سعة البطارية الى وزنها. فبطارية رصاص- حامض(lead-acid) لها كثافة طاقة  نوعية تتراوح بين ٣٠ الى ٥٠ واط ساعة/كغم وبطارية النيكل - كادميوم (NiCd) لها كثافة طاقة  نوعية تتراوح بين ٥٠ الى ٨٠ واط ساعة/كغم.  اما بطارية ليثيوم- أيون ( Li-ion ) فلها أعلى كثافة طاقة  نوعية تتراوح بين ١٠٠ الى ٢٦٥ واط ساعة/كغم. ومن الواضح ان بطارية الليثيوم -أيون التي تم اختراعها في عام ١٩٦٥م هي الافضل للاستخدام بين جميع البطاريات القابلة للشحن في تطبيقات الاجهزة المحمولة والاقمار الصناعية والسيارات الكهربائية. 

لقد شجع توفر بطاريات الليثيوم ايون عالية السعة  والمحركات الكهربائية ذات القدرات العالية صناع السيارات للعودة لتصنيع السيارات الكهربائية التي تتميز  بقلة استهلاكها للطاقة وبساطة تركيبها وقلة صيانتها.

إن العيب الرئيسي في السيارات الكهربائية هو طول المدة الزمنية التي تلزم لشحن البطارية والتي تصل الى عشرة ساعات لبطارية بسعة ٨٠ كيلواط ساعة باستخدام شواحن التيار المتردد (AC) وساعة واحدة باستخدام شواحن التيار المستمر (DC) . اما العيب الثاني فهو ارتفاع ثمن بطاريات الليثيوم أيون والذي يبلغ في الوقت الحالي ما  يقرب من مائة دولار لكل كيلواط ساعة من سعة البطارية ولكن كل التوقعات تشير الى ان هذا الثمن سيهبط بشكل كبير في السنوات القادمة بسبب الانتاج الكبير لها.

  ومع بداية القرن الواحد والعشرين بدأت كثير من شركات صناعة السيارات بتصنيع سيارات كهربائية تقطع في الشحنة الواحدة مسافات تتراوح بين مائة والف  كيلومتر. وقد بلغ عدد المباع من السيارات الكهربائية في عام ٢٠٢١م ما يقرب من سبعة ملايين سيارة مقابل ٦٥ مليون سيارة غير كهربائية.

إن أهم ما يميز السيارة الكهربائية هو ان الطاقة الكهربائية التي تمدها يمكن الحصول عليها من مصادر مختلفة كالكهرباء المولدة من البترول والفحم والمفاعلات النووية وطاقة الرياح وشلالات المياه  والطاقة الشمسية والحرارية. وفي الغالب سيقوم الناس بتركيب انظمة طاقة شمسية مستقلة عن شبكة الكهرباء العام لشحن سياراتهم الكهربائية خاصة في المناطق النائية. ومع اقتراب نهاية عصر البترول في غضون خمسين سنة فانه لا مفر من التحول الكامل الى السيارات الكهربائية  عاجلا ام اجلا. إن الفائدة الكبرى من التحول الى السيارات الكهربائية هو تخليص المدن من الملوثات الخطيرة التي تنتجها عوادم السيارات الميكانيكية والتي تؤثر بشكل كبير على صحة سكان المدن. وكذلك ستقلل من تلوث الغلاف الجوي والحد من ظاهرة الاحتباس الحراري الذي بدات عواقبه الوخيمة  بالظهور على مناخ الارض.



*أستاذ الهندسة الكهربائية،

كلية الهندسة، جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية